يظن البعض أن هناك الكثير من الأصدقاء حوله، يأتيه هذا الشعور عندما يتلفت ويرى الكثير من الأشخاص والأسماء حوله، في دليل الهاتف الجوال أو تويتر أو فيسبوك أو سناب شات أو انستجرام أو جروبات الواتس اب مئات الأسماء التي نراها ونتفاعل معها يومياً، ولكن هل هم فعلاً أصدقاء؟ وما هو المفهوم الصحيح للصداقة؟، البعض يخلط بين الصديق والزميل، أنا شخصياً لا أفضل هذا التقسيم أو لأكون صريحاً لا أعرف الحد الفاصل بين الصديق والزميل والغريب، الناس لدي ينقسمون إلى قسمين شخص أعرفه وشخص لا أعرفه والذي أعرفه في الغالب فإني لا أتحفظ معه في الحديث ولو جلس معي ما يكفي من الساعات فستكون حياتي ككتاب مفتوح أمامه والشخص الذي لا أعرفه فغالباً لا أعرف كيف أتعامل معه، أي ان الفرق الرئيسي بين الإثنين هو الوقت، كلما جلست معي ما يكفي من الوقت كلما عرفتني وتكشفت لك أكثر، وإذا لم أرتح في التعامل معك فالغالب أني لن أطيل الجلوس وسأتذرع بأي ذريعة لتركك واكمال بقية حياتي، لا أدري صراحة ما الذي يجبر المرء على الجلوس والتفاعل مع أناس لا يستطيع التعامل معهم أو لا يطيقهم، أعتقد أن العذر الوحيد المقبول لذلك هو إعطائهم الفرصة لشرح أنفسهم للتعريف بمن هم وكيف يفكرون أي سبب غير ذلك سيكون مجرد مضيعة للوقت الذي هو حياتك.
حصلت لي موقفين بالأمس، الموقف الأول حادث سير بسيط، ترجلنا من سياراتنا وبعد النظر في الأضرار كان لدينا خياران، الأول كل شخص يصلح سيارته وكل واحد يروح في حال سبيله والثاني الانتظار لحضور المرور لتقييم الأضرار وبعدها ستكون هناك رحلة طويلة من مراجعة الورش والبيروقراطية الممتدة لأيام، لم يكن التفاعل بيني وبين صاحب السيارة الأخرى طويلاً بصفة أكثر وضوحاً لم يكن هناك حوار مناسب ليتعرف كلاً منا على الآخر السؤال المعتاد “نمشي ولا نستنى المرور؟” الجواب “نستنى المرور” ورجع كلاً منا لسيارته وخلال الانتظار نتناوب بالخروج من السيارة إعادة تقييم الأضرار بصمت والعودة للسيارة مرة أخرى، خلاصة القول لم نتعارف ولم أعطيه أو يعطيني فرصة لنشرح أنفسنا بعد ساعتين تقريباً أتيحت لنا الفرصة بتقديم نفسه وأين يعمل ومن هو وأنا كذلك وتبادلنا حديثاً لطيفاً (من وجهة نظري) أعتقد لو جرى بيننا هذا الحوار منذ البداية لو أعطيته فرصة أو أعطاني فرصة للحديث وكسر الحاجز الوهمي الذي كان بيننا لربما اننا اتفقنا من البداية وذهب كلاً منا في طريقه.
الموقف الآخر، في جلسة سمر مع الأصدقاء لاحقاً في نفس اليوم سألني أحدهم ” في واحد شاف صوري معاك في الفيسبوك وسألني من فين تعرف حسن باتي؟” ورغم عمومية السؤال إلا أن علامة واحدة فقط جعلتني أستطيع تخمين من هذا الشخص “فلان”، فلان هذا كان في يوم من الأيام من أقرب الأصدقاء لقلبي، و قبل ما يزيد عن ٧ أو ٨ سنوات فقدته لخلاف أعتقد الآن أنه تافه جداً، لا أعرف في الحقيقة ما الذي يستحق في هذا العالم أن تفترق عن أعز أصدقاءك لأجله؟ سؤال أعجز عن إجابته ولو رجع بي الزمان لاختلف تعاملي مع الموقف تماماً، برغم الخلاف الذي حدث بيننا وبرغم أنه لم يعد بيننا تواصل رغم كل هذه السنوات وبرغم محاولتي اللقاء ورفضه، إلا أنه لا يزال يحتفظ بجزء من قلبي وذاكرتي وكل السنين التي جمعتنا سابقاً المواقف والحوارات والمجادلات لازالت في قلبي وذاكرتي ويظل هذا السؤال يؤرقني “ما الذي في هذا العالم يستحق أن تفقد صديقك بسببه؟” ولا أجد إجابة.
حرر في ٢٩ أبريل ٢٠١٦