خسائر الماضي أرباح المستقبل

كثيراً ما نتحدث عن خسارتنا لشيء ما، خسارتنا لفرصة وظيفية مثلاً، أو خسارتنا لقبول في جامعة، أو خسارتنا لسنوات عمرنا في مشروع فاشل سواء كان مشروع تجاري أو زواج أو علاقة أو كتاب أو غيره من المشاريع، وفي الغالب عند الحديث عن الخسارة يكون الحديث مشوب بكثير من مشاعر الغضب أوالندم أوالحزن أو بها كلها مجتمعة، ولكن السؤال الذي يجب أن نسأله أنفسنا عند التفكير في “الخسارة” هو هل فعلاً كانت خسارة؟ هل هذا المشروع أو الزواج أو الوظيفية أو الجامعة أو العلاقة أو غيرها من الأشياء التي نعدها خسارة، كانت خسارة ١٠٠٪؟ هل فعلاً كل الوقت والجهد والمشاعر والمال الذي استثمرته كان العائد منه يساوي صفر، أم أن هناك عائد غير الذي كنت أتوقعه وأرجوه، عائد غير ملموس لم أنتبه له بعد.

في الحقيقة فإن توقعاتنا عن الناتج أو المحصلة النهائية للتجربة هي ما تعطينا تصور الخسارة، فعندما ندخل مشروع بهدف الربح المادي مثلاً وبعد استثمارنا لجهد بدني وساعات عمل طويلة وأموال شخصية ويفشل المشروع الذي كنا نتوقع منه مكسب مادي نقول لقد خسرنا، وننظر للتجربة كاملة كخسارة لو عاد بنا الزمن لتجنبنا خوضها من البداية، ولكن لنعيد النظر مرة أخرى ونحاول حساب العوائد غير المادية أو الحسية من هذا المشروع، فمثلاً ما مقدار المعرفة التي اكتسبتها في هذا المجال بدخولك لهذا المشروع؟ وكم علاقة عمل جمعتك بأشخاص رائعين لم تكن لتلتقي بهم لولا عملك في هذا المشروع؟ هل حصلت على أصدقاء للعمر خلال هذه التجربة؟ أنا شخصياً من تجربة دراسة غير ناجحة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن خرجت بصديق من أعز أصدقائي والذي عرفني على قريب له ونحن الآن أصدقاء منذ ١٤ سنة على الأقل، ولو لم أخرج من هذه السنة كاملة إلا بهذين الصديقين لكفتني ولعددتها تجربة رابحة، وتجربة عمل أخرى لم تستمر أكثر من ٤ أشهر وتعلمت منها الكثير الكثير ولكن أعز ما فيها كان صديق قريب عزيز تعرفت إليه في الرحلة ومعرفته كنز بالنسبة لي، في الحقيقة في كلتا التجربتين الفوائد التي خرجت منها لا تحصى عندما أراجعها الآن ولكن لغرض الإيجاز ذكرت أكثر ما أعتز به من هاتين التجربتين، والأمثلة في بالي وأنا أكتب الآن كثيرة كلها تجارب في وقت ما من حياتي كنت اعدها خسارة لي والآن أجدها العكس تماما.

أحياناً فنجان قهوة أو شاي وجلسة تأمل نراجع فيها خسائرنا قد تقلب لنا خسائرنا لأرباح ونكتشف درر وجواهر لم ننتبه لها قبل الآن، وما ظنناه يوماً ما خسارة كلفتنا أعمارنا تتحول لنعمة نمتن لحصولها ونشكر الله عليها صبح مساء.

حسن محمد باتي
٠٥:١٨ ص
٤ يناير ٢٠٢١

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: